سورة آل عمران - تفسير تفسير ابن القيم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}
هذا مما قدم بالفضل، لأن السجود أفضل، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
فإن قيل: فالركوع قبله بالطبع والزمان والعادة، لأنه انتقال من علو إلى انخفاض. والعلو بالطبع قبل الانخفاض، فهلا قدم الركوع؟.
الجواب أن يقال: انتبه لمعنى الآية، من قوله: {ارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} ولم يقل: اسجدي مع الساجدين، فإنما عبر بالسجود عن الصلاة، وأراد صلاتها في بيتها. لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها مع قومها. ثم قال لها: {ارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} أي صلى مع المصلين في بيت المقدس، ولم يرد أيضا الركوع وحده، دون أجزاء الصلاة، ولكنه عبر بالركوع عن الصلاة، كما تقول: ركعت ركعتين وأربع ركعات، تريد الصلاة، لا الركوع بمجرده.
فصارت الآية متضمنة لصلاتين: صلاتها وحدها، عبر عنها بالسجود.
لأن السجود أفضل حالات العبد. وكذلك صلاة المرأة في بيتها أفضل لها ثم صلاتها في المسجد عبر عنها بالركوع. لأنه في الفضل دون السجود.
وكذلك صلاتها مع المصلين، دون صلاتها في بيتها وحدها في محرابها.
وهذا نظم بديع، وفقه دقيق.


{ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}
قال قتادة: كانت مريم ابنة إمامهم وسيدهم. فتشاحّ عليها بنو إسرائيل. فاقترعوا عليها بسهامهم، أيهم يكفلها. فقرع زكريا، وكان زوج أختها، فضمها إليه. ونحوه عن مجاهد.
وقال ابن عباس: لما وضعت مريم في المسجد اقترع عليها أهل المصلى، وهم يكتبون الوحي فاقترعوا بأقلامهم أيهم يكفلها وهذا متفق عليه بين أهل التفسير.


{كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)}
تضمنت هذه الآيات بيان كذبهم صريحا في إبطال النسخ. فإنه سبحانه وتعالى أخبر أن الطعام كله كان حلالا لبني إسرائيل قبل أن تنزل التوراة، سوى ما حرم إسرائيل على نفسه منه. ومعلوم أن بني إسرائيل كانوا على شريعة أبيهم إسرائيل وملته، وأن الذي كان لهم حلالا إنما هو بإحلال اللّه تعالى له على لسان إسرائيل والأنبياء بعده، إلى حين تنزل التوراة. ثم جاءت التوراة بتحريم كثير من المآكل عليهم التي كانت حلالا لبني إسرائيل. وهذا محض النسخ.
وقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ} أي كانت حلالا لهم قبل نزول التوراة. وهم يعلمون ذلك ثم قال تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} هل تجدون فيها أن إسرائيل حرّم على نفسه ما حرمته التوراة عليكم، أم تجدون فيها تحريم ما خصه بالتحريم، وهي لحوم الإبل وألبانها خاصة؟ وإذا كان إنما حرم هذا وحده، وكان ما سواه حلالا له ولبنيه، وقد حرمت التوراة كثيرا منه: ظهر كذبكم وافتراؤكم في إنكار نسخ الشرائع، والحجر على اللّه تعالى في نسخها.
فتأمل هذا الوضع الشريف الذي حام حوله أكثر المفسرين، وما وردوه. وهذا أولى من احتجاج كثير من أهل الكلام، عليهم بأن التوراة حرمت أشياء كثيرة من المناكح والذبائح، والأفعال والأقوال. وذلك نسخ بحكم البراءة الأصلية. فإن هذه المناظرة ضعيفة جدا. فإن القوم لم ينكروا رفع البراءة الأصلية بالتحريم والإيجاب. إذ هذا شأن كل الشرائع. وإنما أنكروا تحريم ما أباحه اللّه تعالى، فيجعله حراما، وتحليل ما كان حرمه فيجعله مباحا. وأما رفع البراءة والاستصحاب. فلم ينكره أحد من أهل الملل.

1 | 2 | 3